Saturday, November 13, 2010

غريب


غريب، في دنيا من الصدمات أغيب، غريب، أشواك، أحجار و قبور من لهيب، غريب، ماء اليوم لا يروي ولا يغيث، غريب، أصبح السمّ دواءً عجيب، غريب، ويسألون: ألن تحيد؟

أنا الغريب بين كل الغرباء، صديق المساء ذا الشمس ذات المغرب الجديد، أنا الغريب، في زمان الليل أو النهار أو أياَ ما يسمونه فأنا غريب، ما زلت الغريب وسأبقى الغريب، لا أصادق إلّا الغرباء، كأن الألفة لا تكون إلّا للعبيد، غريب، لا مبادئ اليوم ولا حليب، للرضّع اليوم لا يوجد حليب!، ولا للعشّاق حبيب!، غريب، عجيب...

لبيب، لبيب هو، كم هو لبيب الغريب، لبيب، فمن غربته يتعلم الصمود، لبيب، صديق الأمس الذي أمسى الغريب، نجيب صاحب الغربة، آه كم هو نجيب، قريب، صاحب الغربة هو القريب، سليم، الغريب سليم، والمألوف سقيم، رجيم، قريب! من المألوفين هو قريب.

مريض، صاحب الفكر كم هو مريض، صحيح، صاحب اللّا فكر كم هو صحيح، وليس غريباً على اليوم ألّا يستغرب الغريب، لا أريد أن أفيق غداً، لاأريد، فليس هناك ما يؤنسني إلّا غربتي، وألفتهم لغبائهم المقيت ليست إلّا لقيط! غريب، أنا، أنا الغريب، صبح مؤجل، ومساء عميق، خيانة أسموها صدقاً و صدق أمسى الغريق، تليق، تليق بكم المجوهرات، تليق، فليست سوى وساماً على ألفتكم، وغرابتكم عن الغريب.

Sunday, October 24, 2010

مخمل

يكفيك، فأنا لا أنتمي إلى هناك، إلى المخمل إلى التيجان لا أنتمي، يكفيكي فأنا لم أعد أعرف من أنا، قدم هنا وأخرى هناك، في الهاوية هناك، والأخرى تتبعها، يكفيك فالبرد برد الشّتاء، يكفيك، فلست أنتمي إلى هناك.

مللت وعودك الذابلة، الهائمة، العائمة، المائلة، السابحة في بحر من الآمال لا نهر له ولا شلّال، مللت، مللت الملل وملّ منّي الملل، مللت الإنتظار من دون موعد أو بموعد خوّان، مللت، مللت شعبك، مللتك، مللت، مللت وآلمت جسدي وأنا أنظر إليك في الأعلى، تأرجحين قدميك، تسامرين القمر والسماء، مللت، يكفيك، فلست سوى سجّان.

سجّان نعم سجّان، وأنت مطلقة تتنعمين، أسجن نفسي في قفض لا يليق إلّا بي، قفص من أحلام آفكة، ووعود هالكة، يكفيك، فبصوتك الذي لا أسمعه أتقطع، أحرق، أربط كأنه الحبال، يكفيك، يكفيك، بكت الكلمات وأنا أخطّها، يكفيك، فعالمك عالم وعالمي عالمان، أعيش اللّيل ليالٍ والنهار أيّام، مللت، مللت الليل، والنهار، وما بينهما، مللت، فُجعت، فمن حسبته ذا أمانة، هو الخائن المتظاهر الكاذب المنافق ذا الألوان.

Sunday, October 17, 2010

منها


من دمعتي سأبلل المحيط وألوّنه، من دمعتي سأنسج الشّراع وأعلقه، وبه أنسل خيوط المحيط والسّحب، من دمعتي سأضيئ السّراج وأوقده، من دمعتي أشرب وأعيش وأقترب، من دمعتي أواسي حزن البارحة، ومنها أجدده، من دمعتي أمطر وأبرد، ومنها أشعل النّار وأشتعل، من دمعتي أرسم للصحراء واحات وأرتقب، علّ السماء أو الأرض تنبته، صوت المرساة إن ألقيت للقعر تعانقه، أو صوتي الذي نسيت صوته، وما كنت أعرفه.

من دمعتي أرى الشمس تختبئ، ومنها أرى الليل قد إبتدأ، من دمعتي تحيا الشمس وترتفع، ومنها ينتهي الليل ويبتعد، من دمعتي أوقف الدمع إن سئم، ومنها أعود إليها كاللعب.

Friday, October 1, 2010

فلتُحرقوا البحر


فلتحرقوا البحر أو الزيتون، فلتحرقوا بيتي أو الغصون، قلتحرقوا قلبي، فلتحرقوا شعبي، فلتحرقوا فأنتم النار وإليها هالكون.

أحرقتم النور، فأحرقنا الشموع، أطفأتم الشمس فأضئنا القبور، مشاعلكم تحرقونها لا لتضيء بل لتنشر الظلام، فأنتم كارهو النور في النار تسودّون، من رمادها المظلم الشاهد على ظلمتها تشربون، نار ولا نور، نار ولا دخان، تلك ناركم التي تسكنون، ونارنا التي إفتعلتموها هي برد ونعيم، صبح وأنتم مظلمون.

فلتحرقوا الذي شئتم فنحن لا نُحرق، لسنا أشياءَ، نحن الشجون، نحن نعيش اليوم وغداً...تموتون، ليل أنتم، ظلم مسكين، ليس الآن ولكنه سيكون، مساء اليوم سيكون، وما أقرب الفجر وما أقربهم، هؤلاء المطهرون، أجساداً أشعلتموها فأنارت، سطعت حتّى أعمتكم وإن كنتم لا ترون.

من الزيتون إنتقمتم، من التين، من الزعتر البرّي، من الشروق من النجوم، من كلّ جميل إنتقمتم، من كل مضيء أحرقتموه، فما إزداد إلّا ضياءً.

في السجون حسبتم النور سينقطع، ولكن النور ليس مسجوناً أيها الميتون، سجونكم تظننونها تقمعنا ولكنّا نابتون، في الأرض في السماء في البحر نحن نابتون، ثابتون، باقون، ومن نيرانكم نقوى ونطفئها بنسمة من أفواهنا، نطفئها فهي رغم وهجها ضعيفة مثلكم أيها الضعيفون .. فلتحرقوا البحر، فلتحرقوا الزيتون، لكنه لن يموت بل سينبت ونحيا معه وتموتون...

Wednesday, September 22, 2010

كوثر أرواحهم


إلى أولئك الواقفين فوق الأرض، من أولئك الساكنين تحت الأرض، هذه الأرض هي الأرض، الأرض التي أنتم منها، تناديكم، كأن ندائها فرض، إعتدتم تجاهله، فنسيتم أن تُشربوا هذه الأرض، حتى يبست ونسيتم أنكم منها نابتون، أيها النابتون أنتم تموتون، وهذه الأرض لن تموت.
من ترتبتها الجافة قتلت عطشكم، من بذورها أحيت الأمل بالتجديد، لم تيئس منكم، وإن يئستم. أيها الأشجار، نسينا أن نرويك، أيها الأمطار، يكفينا الجفاف، أيها الشمس متى يصيب الجزر الحر؟
هي المأوى ومنزلنا، هي منبتنا، منها نقوم وإليها نرقد، واليوم تبيعون السرير كأنكم تضمنون الإستيقاظ للأبد، ولكنكم نائمون، تنسون، أنكم نائمون، فكيف تبيعون الأسرّة وأنتم نائمون، أيها النائمون أفيقوا فالغصون إحترقت والعيون، أفيقوا، اليوم أغتصبت الأرض، ولدت الشجون، أفيقوا هل تسمعون؟ هل تسمعون؟
نام النوم والغيوم أفاقت، من كل أفق تساقط...سخط برق وتلاقت الآلام، نعم تلاقت، صبح أم مساء تخالط؟ ليل، صبح، فجر أم سحر؟ مساءٌ لا ينتهي أم لقاء؟ هلّا أفقتم أم أنكم ميتون؟ لست يقظاً لكنّي أضجرت النعاس بالشخير، وما به الشخير؟ شاهدي على أني ما زلت حياً، والحياة من الأرض أمتصها، من الشهداء أحيا، ولهم، ولها، يا تراب اليوم يا تراب، كيف كنّا سنعيش إن لم تشرب كوثر دمائهم، كوثر أرواحهم؟ كيف؟ كيف كنّا سنولد لولا النهر الذي يجري في الأرض رحمة؟ كيف، كيف كنّا سنسأل بكيفٍ؟ كيف؟ كيف؟

Tuesday, September 21, 2010

ولتكمّلني الكلمات

ما بي لا تنقاد الكلمات إلى لساني؟ ما بي تأبى الحروف التواصل بألحاني؟ ما بك أيها الأقلام تنفرين منّي كأني القاتل الداني؟ اليوم أكتب والأمس أكتب، ولكن الكلمات أبت مصادقتي فهربت من بين أحزاني، ضعف تفجّر، ألم توقّد، فكلماتي خلاياي... أصواتي، أيها الكلمات أيها الحروف أمنّي تعلمت الفرقة والمعاناة؟ من من تعلمت الأذى والمحاباة؟ كيف تتجاهلين نداءاتي، صراعاتي، وتقفين في زاوية تحت الغيوم الباردة؟ كيف تفضلين البرد على الأحضان الدافئة، أما تستجيبين لي؟ تتظاهرين كأنك الأحلام في عيون الوجوه الحالمة، كأشجار تثمر جوعاً وسوء خاتمة، تنظرين إلي بغباء الفراغات الساذجة...

من بين السطور ألاحقك، كالطيور، يا كلماتي تكلّمي، الصمت أصم أذني وقلبي، تكلّمي، إرو الحكايات التي أعتدت أن أسمعها منك، أحلف إني أفتقدك، والقلم اليوم لم يعد عصاي السحرية، أصبح السيف الذي أطعن فيه سذاجة صمتك فيطعنني، كالسارقة أيها الكلمة، تقتربين فتبتعدين، والحروف أخاطبها فتذلني، أكتب أوراقي ثم أمزعها، أكتب على صفحاتي قلبي فتتسلخ مني الكلمات، ما زالت صامتة تلك الكلمات! كيف لك أن تصمتي طول الشتاء؟ كيف لك أن تصمتي طول الشتاء! فلتعاتبيني فلتقتليني ولكن لا تصمتي، لا تصمتي فالصمت ليس الدواء!

أتسمتعين وأنا أبعث إليك الأضواء، أحاورك أصارحك وهل من شفاء؟ يأس تيبس على قلمي فلم يعد يرتب الكلمات، عفو تلاشى كدخان حريق الغابة بعد المطر، تلاشى كأنه ألوان الربيع عند وصول شمس الصيف، والقوافي تسخر منّي وتغافلني ياللغباء! أمّاه كيف يكون الوفاء؟ أكلمات مقفاة وسطور بلا نهاية؟ أدعاء، حزن أم بكاء؟ حيرة ، برد ولا شتاء، تعالي إلي، تملّكيني، تعالي أو أرسلي إلي حرفاً هدنةً بلا عتاب، ما بك؟ كيف أفهم من صمتك ما لم أفهمه من الكلمات؟ أفيقي إن كنت نائمة وإن كنت نائمة أفيقي، وإن كنت أنا من نام أو مات، أحييني فالبرد أرحم من سذاجة الفراغ، أحييني ، أفيقيني، أرسمي الشمس اليوم على جبيني، أرسمي شكلك على مرآة الصبح قبل الغروب، لا تسمحي للشمس أن تغيب أو أن تهرب فأنا أكره المساء...

 لم أعد أكتب بالقلم، فقد إنحاز إلى جنبك، الآن أكتب بفكري كلماتي على نسمات الهواء، وكم أخشى أن ينحاز فكري لمؤامرتك، أو أن تنحاز حروفي لسذاجة صمتك الأصم، تكلمي، تكلمي بصوت أم من دونه لاأبالي تكلمي، فاليوم لا أرى سوى المساء، تكلمي فقد حسبت هذا حواراً ولكنه أمسى نداء، أطيعيني أيها القوافي، ولتكّلمي الكلمات، ولتكمّلني الكلمات...

 أما من صلح أم أن البين قد عاد؟ أفيقي أحييني، فأنا أكره الشتاء، النوم بارد، والإشتياق أموات، الريح عاتية والصروح سراب، أفيقي وإن هاجرت فلتعودي كأسراب الطيور... فلتمسكي بيدي وترميني إلى النار لعل الجليد قد ذاب، أفيقي قبّلي جبهة النهار الذي رسمت، قبلي الشمس التي أحيتك، أفيقي ولتسنشقي رائحة الزعتر والنعنع ورائحة إنتهاء المساء، رائحة الشروق ورطوبة الصبح والأوراق، أفيقي ليحل الهدوء محل صمتك الصاخب، هدوء الصبح الممزوج بأرواح من أصوات العصافير، أفيقي وعانقي الشفق لعله شفقة، تمثلي بالبرتقالي لنرسم معاً على الجبين صبحاً و سفينة بلا مرساة، فلنرسم بحراً، نهراً ينبع ولا يصب إلّا هناك، نهراً يعانق الخيال و يصب في بحر صداقتنا، الآن علمت أن الذنب ذنبي، وأن العراك قد مات، آسف حبيبتي، عاتبتني ولكنك سمعت مني الصمت فصمت، أيها الكلمات آسف على ما فات اليوم نرقص ونرقص على ألحان موته وموت الفراق، الصمت قد تحدث والعتاب قد لحق الفراق، تحدثي أسمعيني من صوتك عذب الملكات، أنعشيني بحلاوتك، حلاوة الكلمات، عزيزتي حسبتك وجدت كماناً غير كماني، حسبتك وجدت الصمت ألحاناً، ولكن الكلمات عادت وأشرقت على محياي المبتسم ورسمت فناً ولوحات، كلماتي، حروفي، سطوري فلنغني معاً فالعراك قد مات العراك قد مات...  

Tuesday, May 18, 2010

صوتها كصوت الأذان


لطيفة الطباع، حنونة اللمسة، أسمع دعواتها في الصباح فتكون شمسي التي لا تأفل، تفيق العالم الذي لا ينعس و تفتح لي أفقاً تضيق بها السماوات. صوتها كصوت الأذان مطمئنٌ لقلب المؤمن المتوضئ للصلاة، و بسمتها عزيزة تميت كل حزن وتحيي كل الألوان، فرحتها مصدر فرح العالم، وحُبّها عرّف الناس الحب و الهيام، صلواتها أحلام لا سبيل لها إلّا التّمام...
إن نظرت للسماء في الصحراء، سترى النجوم تستنير نورها من القمر، وإن غاب القمر حفظت النجوم نوره وحمته، وإن كانت نظرتك سريعة سترى الكثير من النجوم، وإن أنعمت النظر سترى المزيد والمزيد الذي لا ينتهي، تلك النجوم هي الخيرات التي أمطرتها عليك، هي البسمات التي أشعّتها إليك، هي الصبر التي تصبره، وهي نعمة من الله لا تحصى...
في نهار الصيف تمر نسمة شتوية المنبع كل حين...هي تلك النسمة، هي نور الشمس الذي يغافل السحب في يوم ماطر بجانب الشاطئ، هي المطر بعد القحط، هي الغفران بعد المعصية، هي أمواج البحر ونسيمه الرطب المنعش للروح...وهي لطيفة.

Sunday, March 21, 2010

تحت اللِّثام

تحت اللِّثام تتعرق الوجوه، في الصدور تقوى القلوب، الغمد عطش والحسام سجن، الصوت أخفض، واللسان صمت.
بين الأزقة فوق البيوت، من بين الحجارة، تنكشف الصدور، تكتب السطور، تحكي الطيور، واليوم يطلق سراحها.
من كل بيت، من كل قبر أطلّوا، أشرقوا، عميت عين السارق بنورهم، أصمّت زغاريد الأمهات آذانهم الجليدية، غنّت تكبيراتهم، عالية أصواتهم، وقلب الأم يطلق سراح أطفالها من مخبئهم، إلى الجنّة، تبكي إن عادوا، ترميهم إلى الشهد، إلى الشّهادة...برحمة...
بين القباب والمآذن، يتخبأ المترصد ذو الشجاعة، نسيم بحر يافا يوشوشه، يخبره، حجرك مكانه هناك، إلى اليمين إلى اليسار، والجبان ذو الخوذة يتلفّت، يحمل السلاح عجزاً، يحمله مغطياً نفسه بالحديد الصلب، ذاك الحديد الذي يخترقه حجر الرامي.
"ستحملك رائحة الخبز والحليب شهيداً إلى حضن أمِّك" هذا الذي قالته النجمة، تذكّر السرير الدافئ الذي نام فيه، حين نام متلفحاً زيت الزيتون، حين ألبسته إيّاه أمّه ليلة تملّكه الزكام، تذكر الدفء وصدره العاري أدفأ البرد الذي حوله.
ذاك المهنّد المختبئ، تجف عليه الدماء فيرتوي، ويجف العرق، وتبان الوجوه...  

Monday, February 15, 2010

!ولكنني لست بذرة

 كسر الألم البرد القارس في خلاياي، يأكلني الموت والسم دوائي. تلك معركتي وجسدي أرضها، نظرات من الشفقة تغطيني وتشعرني بضعفي الذي تجلى كضعف شمس المغيب، أستمع لأصواتهم تكلمني وتحمل بين حروف كلماتها الأسى، أتعجب مستصرخاً لساني العاجز، عهدتني جبلاً يدفع الأذى عن نفسه، ولكنّي الآن ذرة تراب تطير على أجنحة الرياح دون إرادة. إتخذت من الوحدة لثاماً، وحيد حولهم، تبدأ حياة البذرة حين تدفن، ولكنني لست بذرة!


السرطان زنزانتي، وهو قاتل الأمل، سريري هو مقعدي وسمائي السّقف الإسمنتية الباردة، لا نجوم في سمائي ولا أقمار حتّى، طعامي له طعم واحد، وكل الأصوات لها نفس الوقع على أذني التي إعتادت تجاهل أصوات تهامسهم من وراء الحائط الذي بناه كبريائي، حياتي شاحبة، لا طيور في حديقتي الميتة المختفية، لا أشجار ولا أنهار، لا شيئ سوى لون الشراشف الأزرق الشاحب، والستائر التي تسترق عبرها عيني النظر إلى الخارج، إلى الخارج الذي نسيت رائحته ولونه، فد أكون أجلس في غرفة لها لون المحيط، ولكنّ المحيط أزرقه مختلف...


لطالما سمعت عن من تقدم حبواً بنفسه إلى ساحة من النصر على عدوه، لم أعلم أنّي كنت أجسد الحياة قصةً بنهاية سعيدة، تذكرني الندبات بالأوقات التي قطعتها ظاناً أنها آخر الأوقات...تترافع كلماتي عن السؤال عن حالي، وها أنا أرقد في السرير الذي إتخذ شكل إنحناءات جسدي المنهك، أرقد منتظراً زيارة من أحدهما، أولهما أحبائي، وثانيهما البين، أرقد مسلّماً لتيّار من الأحداث التي تبحر بي بعيداً.


أعلم أنّ الألم الذي عانيت إنّما هو عطف و رحمة، رحمة أمطرها الرحمن على بستان الأشواك الذي زرعت، أمطرها ليُميت الأشواك ويُحيي أشجاراً من غفران، أمطرها ليفيقني من غفوتي.


يغزو الإطمئنان روحي حين أتذّكر أنّي أُحيل العبئ إلى من هو أهل بالحمل بل بأضعافه، تزورني وأراها متأملة تبكي وتدعو لي، تدعو راجيةً الشفاء لزوجها الذي إشتاقت إليه أشجار حديقته، تدعو للذي إفتقده أطفاله، تدعو و تبكي وأنا أبتسم وفي عيني الدمع، لا تعلم ماأعلم، ورقتي إصفرّت و خريفها قد قرُب، ولكنها لا تعلم...


Wednesday, January 27, 2010

خاتم مكسور

متلفحةً بالحزن تبكي، هي خاتم مكسور لأرملة صغيرة السن، كطفلة مسروقة الدمى تتراكض ودموعها تلف أعينها، قد كانت طفلة في الماضي ولكنّ الدهر تركها مسنةًّ شابّة الأدمع. كاللؤلؤة غالية ووحيدة، كورقة شجر خريفية المشاعر، تتعالى الأصوات منددةّ ومستنكرة ما يحصل لها، ولكنها بعد حين تغفو...بل تموت...


لم أرها من قبل، وهي أميرتي التي تسكن بيت أحلامي، كم يحلو اللقاء حين تكون الوجوه غير مألوفة، نسيم من رحمة تعانق بأشجار زيتونها و التين، وقوة تُبيد كل وهن تجسدت في جدرانها القديمة وساحاتها وأفنيتها الواسعة المليئة بأناس وضعوها قلادة غلى قلوبهم.


فيها المآذن و الكنائس، هي ريشة ترسم لوحة من التعايش والسلام لا شبيه لها، ألوانها حملها أنبياء ورسل كثر، ولكن اللوحة تذوي مع كل نقطة من حقد توضع في حبرها، كمقطوعة موسيقية تتعالى في آذان قلوبنا وتنعم علينا شوقاً يهفو به العقل.


كم أود أن أمسح دموعها النقية، كم أود أن أكون الطبيب الذي يعالج ألمها، ولكنّا رجل بآلاف الأيدي والألسن، نحمل أقلاماً لا تكتب سوى ما لاينفع وتطمس ما كتبه غيرها من نفع.


هي القدس، قدسية في الإسم والتربة، أصيلة، هي أجمل كلمة في قاموس كل اللّغات، هي أجمل أرض لم أرها من قبل، كل ما فيها يطلق الأنين مستغيثاً ولكن آذاننا آثرت الصمم على السماع، ربيع هي، يغطي كل ما يلمسه بلثام أخضر يحمل الورود.


ليس لدي كلام سوى ما تكتبه أناملي دون وعي أو إدراك، لطالما توشحت السماء بكفن أبيض من غيوم، ولكن ذاك الكفن أحيى زرعاً أنبت، واليوم يقف الضياء بمكانته العالية شامخاً، ولولا الظلام لما كان للضياء مكانته، يأبى الظلام إلاّ أن يزور بيوتنا من وقت لغيره، ولكن لون الليل الحالك علامة زواله مستسلماً للنور القادم من قلوب الأنقياء.

Sunday, January 24, 2010

النوارس

متلألأة أدمعها تروي وجهها اللاهب المغبر ، طفلة جميلة بريئة ألفت أباها بعيدا في يوم حلقت النوارس فيه فوق مدخنة كوخها ، يتلاعب الهواء بشعرها مواسيا ومخاطبا، لقاؤك أباك لن يطول ، والضياء يسابق قطرات الندى يودّ أن يلمس خديها محدثا وماحيا لنظرة الخوف من عينيها الزرقاوتين، صرخت أبي حتى بحّت حنجرتها الصغيرة ، مالذي بقي .. غير كوخها المتواضع على تل بين الشجر، اعتقلت البسمة الوحيدة المتبقية لها، تحمل في يمينها دمية صنعتها لها امها الشهيدة الحامل، نعم قد كانت تنتظر اخا، تلعب معه وودعته قبل اللقاء ...

أخذت خطواتها بالتسارع على طريق حسبته منتهيا، لكنها لم تدر مذ متى قد بدأ ، لم تقفل باب كوخها المتلكئ آملة، ملهوفة .. أخذت تركض نحو الشرق حيث ظنت اباها قد نقل، وضاعت في غابة من أشجار وأشواك، ضلـّت طريقها والجوع يرسم الحزن على محيّـاها ، ودميتها من الحزن تبكي، أبتِ، أين أنت عائلتي أين أنت ؟! بين النداءات الشجية راحت تتراكض يصدعها الصدى فتظنه مجيبها ، وما هي أزمان .. اعتادت حياة الغاب الرحيم ، تأكل ثمرة من هنا وأخرى من هناك ، تسمع خرير جدول ينساب خجلا فتشرب منه ماء الصبر والأمل ، تكمل الطريق شرقا وتغني لدميتها لحنا ً غنته لها أمها.

وجدت أهل قرية فاستغربوا، سألوها : من أين جئت ؟ ردت : أتيت باحثة عن عائلتي التي لم يبق منها الكثير ، قالوا : سبحان الله ! رعاك مدبرا لك الطعام والشراب والرزق فمن دخل غابة كهذه في عمرك هلك ، وآوى أهل القرية بنت الغابة وأكرموا ضيافتها وبقيت لديهم. كبرت ونضجت ولا زالت تذكر الذي اخرجها من كوخها ، احبها أهل القرية جميعا وأحبتهم، وصارت كبنت لهم وهم لها أهل ، لم يسألوها قط ما الذي حدث ..

وفي يوم حلقت فيه النوارس مرة أخرى، واعتقلت بسمة أب آخر من القرية ، يومها باحت بالسر الدفين المرير المتوقد ، قد كان لمن اعتقلت بسمته مكانة في القرية ، فهو لم يكن كأيّ رجل بل هو الحكيم الذي أكتب أهل القرية ، وعلمهم القراءة ، وفقههم في دينهم . لم يصمت أهل القرية ولم يعجبوا بما حصل فالظلم كريه لا يحتمل ، ومرت السنوات مرور الفصول الأربعة ، وكثرت عمليات القتل والسجن دون مبرر، حتى ثارت قرى أخرى وهاجت ولم تصمت ، فكان وقت الإنتقام المؤجل ، حمل الرجال السلاح والزوادة ، وخرجت طفلة الماضي سيدة مداوية ومجاهدة ، واقتتل رجال الحق مع النوارس، أجبن من أجبن مخلوق على وجه المعمورة ، سالت دماء النوارس المحتلين سيلا جارفا ... لكنه للغلّ شاف ، وللنار مطفئ ، حرر من أسر، وأعيد من جرح ، والبطلة الصغيرة لم تدرأن أباها قد افرج عنه، ولما علمت فقد لسانها كلماته . وسألت عن مكان اللقاء ؟ فأجيبت : بموعد ! 

لبست لباس الإنتصار والفرح، حملت دميتها ومفتاح كوخها وقلبها ، اتجهت لرؤية الأب الحاني الذي لم تره منذ وقت طويل ، وصلت مبكرة قليلا لكنّ انتظارها لم يطل . وإذ بصوت باسمها يهتف ! يهز الجبال مزلزلا ، على بعد تلّ لمحته ، فشخص ناظرها .. وتصنم الوقت، دمعة مستعجلة غافلتها .. تروي خدّها فرحا ، وأبوها يتملاها .. يتذكر ليلة قبلها قبل نومها ، ينظر في عينيها ما زالتا متأملتين لامعتين من الدمع ، لم تستطع المزيد من الصبر .. قطعت أفكارها المضطربة .. ركضت بها قدماها .. وأبوها أدرك انها هي ، فطارت به الدنيا فرحا برؤيتها صرخت أبي وتنهدت، وبكت بكاء طال انتظاره على كتفه .. محتضنة إياه تأبى أن تفلته ، وهو يقبل رأسها ، يبكي وتبكي دموعا حلوة ، لا كلمات بينهما بل نظرات ودموع تتحدث ، والرمال من تحتهم تناثرت وتعانقت ، والمطر الذي في الغيمة التي تظلهما بدأ الهطول غزيرا كما الدمع ! ودميتها الحزينة ابتسمت ، ومفتاح بيتها ذهب عنه الصدأ ، عادا الى الكوخ بعد عقود طويلة ، وجدته كما هو على حاله ، وعادت الشمس بأشعتها توقظ المرأة طفلة الماضي الصغيرة مداعبة عينيها .. لتفتحهما .. فتجد اباها في البيت فتفرح كأنما الزمان عاد كما كان .. ولم يعد للنوارس في أرضهما مكان .

القصّة الحائزة على المركز الثاني في المسابقة الوطنية للقصص القصيرة - الأردن 2008 - 2009 النوارس بقلم: مراد الزغل