Wednesday, September 22, 2010

كوثر أرواحهم


إلى أولئك الواقفين فوق الأرض، من أولئك الساكنين تحت الأرض، هذه الأرض هي الأرض، الأرض التي أنتم منها، تناديكم، كأن ندائها فرض، إعتدتم تجاهله، فنسيتم أن تُشربوا هذه الأرض، حتى يبست ونسيتم أنكم منها نابتون، أيها النابتون أنتم تموتون، وهذه الأرض لن تموت.
من ترتبتها الجافة قتلت عطشكم، من بذورها أحيت الأمل بالتجديد، لم تيئس منكم، وإن يئستم. أيها الأشجار، نسينا أن نرويك، أيها الأمطار، يكفينا الجفاف، أيها الشمس متى يصيب الجزر الحر؟
هي المأوى ومنزلنا، هي منبتنا، منها نقوم وإليها نرقد، واليوم تبيعون السرير كأنكم تضمنون الإستيقاظ للأبد، ولكنكم نائمون، تنسون، أنكم نائمون، فكيف تبيعون الأسرّة وأنتم نائمون، أيها النائمون أفيقوا فالغصون إحترقت والعيون، أفيقوا، اليوم أغتصبت الأرض، ولدت الشجون، أفيقوا هل تسمعون؟ هل تسمعون؟
نام النوم والغيوم أفاقت، من كل أفق تساقط...سخط برق وتلاقت الآلام، نعم تلاقت، صبح أم مساء تخالط؟ ليل، صبح، فجر أم سحر؟ مساءٌ لا ينتهي أم لقاء؟ هلّا أفقتم أم أنكم ميتون؟ لست يقظاً لكنّي أضجرت النعاس بالشخير، وما به الشخير؟ شاهدي على أني ما زلت حياً، والحياة من الأرض أمتصها، من الشهداء أحيا، ولهم، ولها، يا تراب اليوم يا تراب، كيف كنّا سنعيش إن لم تشرب كوثر دمائهم، كوثر أرواحهم؟ كيف؟ كيف كنّا سنولد لولا النهر الذي يجري في الأرض رحمة؟ كيف، كيف كنّا سنسأل بكيفٍ؟ كيف؟ كيف؟

Tuesday, September 21, 2010

ولتكمّلني الكلمات

ما بي لا تنقاد الكلمات إلى لساني؟ ما بي تأبى الحروف التواصل بألحاني؟ ما بك أيها الأقلام تنفرين منّي كأني القاتل الداني؟ اليوم أكتب والأمس أكتب، ولكن الكلمات أبت مصادقتي فهربت من بين أحزاني، ضعف تفجّر، ألم توقّد، فكلماتي خلاياي... أصواتي، أيها الكلمات أيها الحروف أمنّي تعلمت الفرقة والمعاناة؟ من من تعلمت الأذى والمحاباة؟ كيف تتجاهلين نداءاتي، صراعاتي، وتقفين في زاوية تحت الغيوم الباردة؟ كيف تفضلين البرد على الأحضان الدافئة، أما تستجيبين لي؟ تتظاهرين كأنك الأحلام في عيون الوجوه الحالمة، كأشجار تثمر جوعاً وسوء خاتمة، تنظرين إلي بغباء الفراغات الساذجة...

من بين السطور ألاحقك، كالطيور، يا كلماتي تكلّمي، الصمت أصم أذني وقلبي، تكلّمي، إرو الحكايات التي أعتدت أن أسمعها منك، أحلف إني أفتقدك، والقلم اليوم لم يعد عصاي السحرية، أصبح السيف الذي أطعن فيه سذاجة صمتك فيطعنني، كالسارقة أيها الكلمة، تقتربين فتبتعدين، والحروف أخاطبها فتذلني، أكتب أوراقي ثم أمزعها، أكتب على صفحاتي قلبي فتتسلخ مني الكلمات، ما زالت صامتة تلك الكلمات! كيف لك أن تصمتي طول الشتاء؟ كيف لك أن تصمتي طول الشتاء! فلتعاتبيني فلتقتليني ولكن لا تصمتي، لا تصمتي فالصمت ليس الدواء!

أتسمتعين وأنا أبعث إليك الأضواء، أحاورك أصارحك وهل من شفاء؟ يأس تيبس على قلمي فلم يعد يرتب الكلمات، عفو تلاشى كدخان حريق الغابة بعد المطر، تلاشى كأنه ألوان الربيع عند وصول شمس الصيف، والقوافي تسخر منّي وتغافلني ياللغباء! أمّاه كيف يكون الوفاء؟ أكلمات مقفاة وسطور بلا نهاية؟ أدعاء، حزن أم بكاء؟ حيرة ، برد ولا شتاء، تعالي إلي، تملّكيني، تعالي أو أرسلي إلي حرفاً هدنةً بلا عتاب، ما بك؟ كيف أفهم من صمتك ما لم أفهمه من الكلمات؟ أفيقي إن كنت نائمة وإن كنت نائمة أفيقي، وإن كنت أنا من نام أو مات، أحييني فالبرد أرحم من سذاجة الفراغ، أحييني ، أفيقيني، أرسمي الشمس اليوم على جبيني، أرسمي شكلك على مرآة الصبح قبل الغروب، لا تسمحي للشمس أن تغيب أو أن تهرب فأنا أكره المساء...

 لم أعد أكتب بالقلم، فقد إنحاز إلى جنبك، الآن أكتب بفكري كلماتي على نسمات الهواء، وكم أخشى أن ينحاز فكري لمؤامرتك، أو أن تنحاز حروفي لسذاجة صمتك الأصم، تكلمي، تكلمي بصوت أم من دونه لاأبالي تكلمي، فاليوم لا أرى سوى المساء، تكلمي فقد حسبت هذا حواراً ولكنه أمسى نداء، أطيعيني أيها القوافي، ولتكّلمي الكلمات، ولتكمّلني الكلمات...

 أما من صلح أم أن البين قد عاد؟ أفيقي أحييني، فأنا أكره الشتاء، النوم بارد، والإشتياق أموات، الريح عاتية والصروح سراب، أفيقي وإن هاجرت فلتعودي كأسراب الطيور... فلتمسكي بيدي وترميني إلى النار لعل الجليد قد ذاب، أفيقي قبّلي جبهة النهار الذي رسمت، قبلي الشمس التي أحيتك، أفيقي ولتسنشقي رائحة الزعتر والنعنع ورائحة إنتهاء المساء، رائحة الشروق ورطوبة الصبح والأوراق، أفيقي ليحل الهدوء محل صمتك الصاخب، هدوء الصبح الممزوج بأرواح من أصوات العصافير، أفيقي وعانقي الشفق لعله شفقة، تمثلي بالبرتقالي لنرسم معاً على الجبين صبحاً و سفينة بلا مرساة، فلنرسم بحراً، نهراً ينبع ولا يصب إلّا هناك، نهراً يعانق الخيال و يصب في بحر صداقتنا، الآن علمت أن الذنب ذنبي، وأن العراك قد مات، آسف حبيبتي، عاتبتني ولكنك سمعت مني الصمت فصمت، أيها الكلمات آسف على ما فات اليوم نرقص ونرقص على ألحان موته وموت الفراق، الصمت قد تحدث والعتاب قد لحق الفراق، تحدثي أسمعيني من صوتك عذب الملكات، أنعشيني بحلاوتك، حلاوة الكلمات، عزيزتي حسبتك وجدت كماناً غير كماني، حسبتك وجدت الصمت ألحاناً، ولكن الكلمات عادت وأشرقت على محياي المبتسم ورسمت فناً ولوحات، كلماتي، حروفي، سطوري فلنغني معاً فالعراك قد مات العراك قد مات...